Admin الزاعيم
عدد المساهمات : 1456 نقاط : 14768 النقاط التميز : 6008 تاريخ التسجيل : 28/10/2009 العمر : 39
| موضوع: الجهاد الشرعي ومواطن الفتن /عبدالله بن صالح بن عبدالحميد آل الشيخ الإثنين ديسمبر 28, 2009 6:00 am | |
| الجهاد الشرعي ومواطن الفتن الشيخ/ عبدالله بن صالح بن عبدالحميد آل الشيخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فلم يخلو عصر من عصور الإسلام من قائم لله بحجة يبيِّن الحق, ويوضح الشريعة للخلق. والعالم بحق هو من علا كعبه في معرفة الأدلة, والقدرة على الاستنباط, وفهم مدارك الشريعة, ومراتب النوازل, والتخرج في ذلك كله على أهل العلم والفتوى, والفضل والتقوى, مع تقادم السن, وممارسة الحياة, وبعد النظر, وفهم الواقع. ودين الإسلام دين لا تُحتكر فيه الفتوى, وليس في طبقات المنتمين إليه طبقة كهنوت أو رجال دين؛ ولكنه يمنع منعاً قطعياً من أن يتصدر للفتوى والفصل في النوازل من ليس أهلاً لها, والأهلية المنصوص عليها في شرع الله لا يُرتقى إليها بزخرفة الكلام, وتنميق الجمل, وحبك الصياغة اللفظية المناسبة للحديث, ولا بالخطب العاطفية العَريَّة عن جزالة العلم, وبعد النظر الفقهي المبني على اعتبار المقاصد الشرعية والقواعد المرعية, كما هي عادة أنصاف المتعلمين. ولما كانت بلادنا تمر بأزمات, ونوَبٌ مختلفة, ونوازل متنوعة ومنها: ما حدث لبعض الشباب المتحمس من الاغترار بنداءات هنا وهناك تنادي باسم الجهاد والدفاع عن الحرمات, دون الرجوع إلى مشورة أهل العلم الراسخين, كان الواجب على كل مصلح الدعوة إلى توحيد المرجعية الشرعية في بلادنا متمثلة في هيئة كبار العلماء, لينتظم الشمل وتجتمع الكلمة, ويسلم الشباب من معرَّة الوقوع في الشبهات المضلة. ومما يعتصر له قلب الغيور أن بعض شبابنا نتيجة للبعد عن العلماء, وتغليب العاطفة على الشرع, والجهل بمآلات الأمور وعواقب الأحوال, والاغترار بقول كل زاعق وناعق, أصبحوا ضحية سهلة لأطراف مشبوهة, وأيدٍ خفية تطحنهم رحى الصراعات السياسية والأحزاب الضالة دون رحمة ولا ذمة, باسم الجهاد والدفاع عن الإسلام. وكم من مُريد للخير لم يصبه.. فهؤلاء الشباب مع حماسهم وغيرتهم مع مجانبة العلم وغياب الحكمة، كم ترتب على ذهابهم بغية الجهاد من المحاذير الشرعية والمخالفات الظاهرة؟! إنها لكثير بإزاء فعل طاعة واحدة إن كانت طاعة!! فما معصية ولي الأمر, والخروج عن طاعته, وربما معصية الوالدين, والقتال دون تبصر بحقيقة الحال, والقتال تحت راية عميَّة, وربما كان عُرضة لأن يكون أداة هدم لبلاده ومجتمعه؛ جراء التغرير من ذوي المآرب السيئة, والنوايا الفاسدة, وصدقَ حذيفة رضي الله عنه إذ يقول: (ما الخمر صرفاً بأذهب بعقول الرجال من الفتنة)(2). وليعلم المسلم أن الجهاد في سبيل الله من أجل الأعمال, لكنه كغيره من العبادات له شروط وضوابط, ويجب مراعاة أحوال ما به يكون جهاداً شرعياً, فأهل السنة يأمرون بالجهاد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً, ولا يرف شق عصا المسلمين كما أمر الله بذلك. والسمع والطاعة في ذلك، لحديث عبد الله بن عمر رضيَ اللَّهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «السمعُ والطاعةُ على المرءِ المسلم فيما أحبَّ وكَره، ما لم يُؤمرْ بمعصية، فإِذَا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمعَ ولا طاعة». (3). وفي حديث عوف بن مالك الأَشجعي ، قال صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئاً مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَداً مِنْ طَاعَةٍ ». (4). وعن ابن عباسٍ رضي اللَّهُ عنهما عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى من أميرِه شيئاً يكرَهه فلْيصبرْ عليه، فإِنه من فارقَ الجماعةَ شبراً فمات إلا مات مِيتةَ جاهليةً». (5). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة عقب هذا الحديث: (وهذا نهي عن الخروج على السلطان وإن عصى)(6). فالواجب على المسلم أن يحاسب نفسه, ولا يتجرأ على فعل شيء يشتبه عليه دون الرجوع إلى أهل العلم والفضل, وكم من عامل يرى أنه على شيء وفي الحقيقة أنه عاص وظالم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا يتعدى على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم, أو دفهم, أو نهيهم, أو هجرهم, أو عقوبتهم, بل يقال لمن اعتدى عليهم عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت, فإن كثيراً من الآمرين والناهين قد يتعدى حدود الله, إما بجهل وإما بظلم, وهذا باب يجب التثبت فيه, وسواء في ذلك الإنكار على الكفار, والمنافقين, والفاسقين, والعاصين, إلى أن قال: (وكذلك العمل فصاحبه إما معتد ظالم, وإما سفيه عابث, وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله, ويكون من باب الظلم والعدوان)(7). وإنه من الأسباب في دفع الفتن والوقاية منها: التحصن بالعلم, والتحلي بالحلم, فإن الجهل من أسباب الوقوع في شرك الضلال, والفتن لا تغري إلا الجهال. وقال مالك رحمه الله: (إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم فخرجوا على أمة محمدٍ بأسيافهم, ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك)(9). والاستقامة على شرع الله لا تكون إلا بعلم نافع وعمل صالح, وهما من أسباب النصر والظفر. والعلم النافع والعمل الصالح هما الهدى والدين الحق، ومن لم يجهد نفسه في بلوغ هذين الأمرين فليعلم أنه عُرضة للآفات, والآراء المغلوطة, والفتاوى الطائشة, تلعب به في كل صَوب, وتلقي به في أسر الحَوْب, فعلى طالب النجاة لنفسه أن يرتقي في معارج السلامة, وذلك بالتحصن بالعلم, ورفع الجهل عن نفسه على أيدي العلماء الراسخين, وتعظيم السنة, والسير على نهج السلف الصالح, ولزوم جماعة المسلمين, وطاعة مَنْ وَلاَّه الله أمره, وإن مجانبة هذه الأصول, وعدم مراعاة هذه الأسباب, علامة شقوة معجلة, وعقوبة حاضرة. وعلى الجميع واجب الاجتماع, وعدم التفرق, فالأمة لا تكون قوية متماسكة إلا باجتماعها على كلمة سواء, في عقيدتها, ومنهجها, وطريقتها, ودعوتها, ومن أساس دعوتها التوحيد, وإعظام الله, بما له من حقوق الربوبية والألوهية, والأسماء والصفات, ونبذ الشرك والبدع, وفهم الدين بما فهمه به سلف هذه الأمة المرحومة، من الصحابة, والتابعين, ومن تبعهم من أئمة الهدى وخيار الخلق, والتحذير من التعصب للأهواء والآراء, وتقديم محاب الله على محاب النفوس, وإنباه الناس إلى الأصول المرعية في التعامل مع الولاة في طاعتهم, وعدم الخروج عليهم، وأن لهم حقوقاً يجب الوفاء بها, وأن الخروج عن جماعة المسلمين وشق عصاهم من أعظم المفاسد وأقبح الذنوب؛ لما فيه من إزهاق النفوس, وضياع الأموال, وإهدار الدماء, واختلاف الصف, وتحذير الشباب من دعاة الشر والضلالة, ممن قلَّ علمه, وقصر فهمه, وساءت نيته, وهي أمانة عظيمة في أعناق المصلحين يجب رعايتها. أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى, وأن ينصر كتابه, ويعز دينه, ويعلي كلمته, وأن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح, ويقينا شر من أرادنا بشر, وأن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الفجار وشر الأشرار، إن ربي سميع مجيب.
الهوامش 1-مصنف ابن أبي شيبة (7/475) حلية الأولياء (1/274). 2-البخاري (7144) مسلم (1839). 3-مسلم (1855). 4-البخاري (7054) مسلم (1849). 5-منهاج السنة (3/394). 6-الفتاوى (14/482). 7-البخاري في العلم (71) ومسلم في الأمارة (175). 8-مفتاح دار السعادة (1/119). 9- ابن كثير بتصرف (6/90) دارطيبة.
|
| |
|