مصطلح التفويض</STRONG>
بقلم / ماهر بن عبد العزيز الشبل</STRONG>
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد :</STRONG>
- التفويض في اللغة : من فوض ، قال في القاموس : فوض إليه الأمر : رده إليه (1) .</STRONG>
وقال النووي : قال أهل اللغة : فوض إليه الأمر أي وكله ورده إليه ، وذكر الرافعي أنه جعلك الأمر إلى غيرك (2) .</STRONG>
</STRONG>- التفويض في الاصطلاح : صرف اللفظ عن ظاهره مع عدم التعرض لبيان المعنى المراد منه ، بل يترك ويفوض علمه إلى الله تعالى بأن يقول : الله أعلم بمراده (3) .</STRONG>
فيؤمن المفوضة بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها ،</STRONG>
و يحكمون بأن معاني نصوص الصفات مجهولة غير معقولة ، لا يعلمها إلا الله ، ويثبتون الصفات مع تفويض المعنى والكيفية .</STRONG>
- والتفويض عند القائلين به والمجوزين له ليس منهجاً مطرداً ذا صفة شمولية تتناول جميع نصوص الصفات ، كاتجاه التمثيل والتعطيل مثلاً ، وإنما هو معالجة موضوعية لطائفة من النصوص التي يستقل السمع بإثباتها دون العقل ، وتوهم لدى البعض مشابهة المخلوقين (4) .</STRONG>
</STRONG>- مبنى مقالة التفويض :</STRONG>
1- اعتقاد أن ظواهر نصوص الصفات السمعية تقتضي التشبيه ، حيث لا يعقل لها معنىً معلوم إلا ما هو معهود في الأذهان من صفات المخلوقين ، وبالتالي فإنه يتعين منعه ونفيه ، وهذه مقدمة مشتركة بين أهل التفويض والتأويل .</STRONG>
2- أن المعاني الواردة من هذه النصوص مجهولة للخلق لا سبيل للعلم بها ، بل هي مما استأثر الله بعلمه ، وهنا يفترق مذهب التفويض عن التأويل الذي يجوز الاجتهاد في تعيين معانٍ مجازية للصفات السمعية (5) . </STRONG>
</STRONG>و عمدة استدلالهم على المقدمة الثانية الوقف في قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) ، و وجه الاستدلال بها يتكون من شقين :</STRONG>
1- أن آيات الصفات من المتشابه . </STRONG>
2- أن التأويل الذي في الآية يقصد به صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر .</STRONG>
والمحصلة : أن لآيات الصفات معنىً يخالف الظاهر لا يعلمه إلا الله .</STRONG>
ولقد غلطوا في المقدمتين ، فآيات الصفات من المحكم معناه ، المتشابه في كيفيته وحقيقته (6).</STRONG>
وأما معنى التأويل الذي ذكروه فهو اصطلاح حادث وإنما يأتي التأويل في القرآن بمعنى التفسير أو حقيقة الشيء الذي يؤول إليه .</STRONG>
</STRONG>* براءة السلف من بدعة التفويض :</STRONG>
مذهب السلف إنما هو تفويض الكيفية دون المعنى ، بمعنى أنهم يفهمون آيات الصفات وأحاديثها ويدركون معناها ، فيعلمون معنى الاستواء والنزول والفوقية والوجه والعين والقدم ونحوها ، ويفرقون بينها فيعلمون أن معنى الوجه غير معنى العين وأن معنى العين غير معنى النزول وهكذا ، ولكنهم يفوضون كيفية هذه الصفات إلى الله ، وهذا كما ثبت عن الأوزاعي وسفيان ومالك والليث بن سعد وغيرهم من السلف أنهم قالوا في نصوص الصفات : (أمروها كما جاءت بلا كيف) فهنا التفويض في الكيف لا في المعنى ، وكما قال ربيعة بن أبي عبدالرحمن ومالك لمن سأل عن الاستواء الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول) فذكر هنا أن معنى الاستواء غير مجهول بل هو معلوم ، وإنما المجهول هو الكيف (7 ) .</STRONG>
</STRONG>وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: - تعليقاً على كلام مالك في الاستواء - وهكذا سائر الأئمة قولهم يوافق قول مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته ، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى النزول ولا نعلم كيفيته ، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة ولا نعلم كيفية ذلك ، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك ولا نعلم كيفية ذلك ( 8 ) .</STRONG>
</STRONG>* الأسباب التي أدت إلى ظهور مذهب التفويض : </STRONG>
1- الفهم الخاطئ لمذهب السلف : ومما ساعد على ذلك بعض العبارات المنقولة عنهم في شأن نصوص الصفات .</STRONG>
2- الأصول العقلية المستمدة من الفلسفة اليونانية .</STRONG>
3- دعوى الخوف على عقائد العوام (9) .</STRONG>
</STRONG>* ومما ساعد على ظهور هذه المقالة :</STRONG>
1- وقوع بعض الأئمة المشهورين فيها كالخطابي والبيهقي وأبي يعلى .</STRONG>
2- انحياز أحد أئمة التأويل وهو الجويني إلى التفويض في آخر حياته ظناً منه أن هذا هو مذهب السلف .</STRONG>
3- استفاضة نسبة التفويض إلى السلف ( 10 ) ،</STRONG>
وذلك في كثير من متأخري متكلمة الصفاتية كالأشاعرة ونحوهم الذين يقولون : إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم ، فقولهم عن مذهب السلف إنه أسلم يعنون به التفويض ، </STRONG>
وموجب هذه المقالة التي يحكيها كثير من متأخري الأشاعرة هو اعتقادهم انتفاء الصفات الفعلية في نفس الأمر ، وفي الجملة لديهم تعظيم للسلف ويرون ظاهر القرآن على إثباتها فقالوا : إن السلف كانوا ينفونها في نفس الأمر لكن موقفهم من الآيات هو التفويض ، فجوزوا الأمرين الإثبات على ظاهر اللفظ مع تفويض المعنى والكيفية أو التأويل وهو أرجح عندهم . </STRONG>
</STRONG></STRONG>
</STRONG>
(1) القاموس المحيط 651 </STRONG>(2) تهذيب الأسماء واللغات 1-75 </STRONG>(3) النظام الفريد 128</STRONG>(4) مذهب أهل التفويض 18 </STRONG>(5) السابق 19 </STRONG>(6) مصطلحات في كتب العقائد 12 </STRONG>(7) الإعلام بمخالفات الموافقات والإعتصام 29 </STRONG>( الفتاوى 5 - 356 </STRONG>(9) مذهب أهل التفويض 33 - 36</STRONG>(10) مصطلحات في كتب العقائد 12 . </STRONG>